الموضوع: الظلم العادل .. بقلم أحمد نبيل فرحات

يا لها من مفارقة عجيبة حينما يصبح الظلم في يوم من الأيام عدلا .. ولكن هل هذا ممكن في الأساس؟، نعم ولما لا .. أليست هناك قاعدة أصيلة نعلمها جميعا وهي أن "المساواة في الظلم عدل"، اذا فالظلم قد يكون في وقتا من الاوقات عدلا، حتى وان تعارض هذا مع فهمنا لطبائع الحياة وحتى اذا تعارض هذا مع فطرتنا التي لا تفهم الظلم إلا كونه ظلما ولا تستوعب العدل إلا كونه عدلا.
الإشكالية تكمن في صعوبة تسمية الظلم ظلما، فما يراه احدنا ظلما قد يراه الأخر قمة العدل، ألسنا في احيانا كثيرة نرى أناسا وهم يضحكون ملئ فيهم ولكن قلوبهم تتقطع أوصالها ونحن لا ندري، إننا دائما لا نرى إلا ما نريد ان نراه، ولا نفكر إلا فيما تستكين اليه قلوبنا وترتاح له عقولنا، إننا ابدا لا ننظر من علياء حتى نرى الصورة كاملة وانما نرى الصورة فقط من منظورنا الشخصي، ولا نمعن النظر اليها الا من الزاوية التي ترضي غرورنا نحن دون النظر الى أي اعتبارات اخرى.
إنه من المهم ان ندرك في النهاية انه ليس كل خطأ من وجهة نظرنا يكون خطأ عند كل البشر، وكذلك الصواب ليس بالضرورة هو صواب عند كل البشر .. فالخطأ والصواب ليسا معرفين على الإطلاق، فوجود الله سبحانه وتعالى هو الشيء الوحيد المطلق، وما عدا ذلك هو اجتهاد البشر، نعم الله أحل حلالا وحرم حراما، وبهذا وضع القواعد والضوابط المنظمة لتعريف الخطأ والصواب ولكنه في نفس الوقت منح نفسه صفة الغفور وصفة التواب، والله وحده الذي أعطى لنفسه الحق في ان يبدل سيئاتنا حسنات، إذا فحتى الخطأ قد لا يظل خطأً حينما يغفره المولى عز وجل ويمحى من سجل الخطايا وينتقل الى سجل الحسنات.
وبهذا فإنه اذا كان الخطأ والصواب هما اجتهاد البشر في التعريف والتوصيف أليس عليه فإن الظلم والعدل أيضا لا يكون لهم تعريف مطلق يتفق عليه البشر .. إن ما سبق من حديث عن نسبية الخطأ والصواب يقودنا بشكل او بأخر الى التأكد من نسبية الظلم والعدل، وبهذا يصبح من المؤكد ان حكمنا نحن البشر بالظلم ليس بالضرورة ظالما ولو كان بالعدل فليس كذلك بالضرورة عادلا وانما هو حكم نسبي فإذا كان يحتمل ان يكون صوابا في حالات كثيرة، فإنه أيضا يمكن أن يكون خطأ في حالات أكثر.
المهم أن نتعلم نحن بني البشر ألا نرتكن لحكمنا على امر من الأمور وان نعيد التفكير مرارا وتكرارا حول ما وصلنا اليه من افكار ومعتقدات وحول ما آل اليه حكمنا في كل الأمور والأحوال .. وسيظل الأشجع منا هو من استطاع ان يقرأ ما بين السطور ويستلهم من سنة الله في الكون الفهم الأعمق والأصدق لمعنى الظلم والعدل، وعليه يعيد حكمه وفكره على هذا المنهج المختلف من التفكير .. فمن منا يدري اين الخير واين الشر وما هي الحكمة الأعظم في كل ما يحدث حولنا .. اذا محاولتنا لفهم الأمور والتعاطي معها هي اجتهاد كل ما نتمناه ان تكون في الاتجاه الذي يقودنا الى سعادة الدارين الدنيا والأخرة.