كتب عبدالعزيز الغدير


جدل دون مرجعية تقييم لأداء الحكومة في تنمية الخدمات التعليمية والصحية والإسكانية وخدمات البنى التحتية والعلوية وحول مدى فاعلية وكفاءة الموازنات الهائلة التي ترصدها الدولة لتحقيق التنمية الشاملة والمستدامة والمتوازنة بما يحقق رفاه المواطن وبما يوفر له البيئة المناسبة لإطلاق طاقاته كمورد أساسي في تحقيق النهضة المنشودة في السباق الأممي.


نعم فالبعض يقول إن الأداء في أفضل حالاته والآخر يقول عكس ذلك تماما وثالث يقول إن الكفاءة لا تتعدى نسبة 50 في المائة وإن الزمن يسير في غير صالحنا ما لم نستثمر الإيرادات النفطية الهائلة لتأسيس بنى تحتية هائلة توفر بيئة قوية وصحية وراسخة لاقتصاد نام ومستدام يشكل المورد البشري الوطني فيه غاية التنمية ووسيلتها الرئيسة.


والواقع يقول إنه ليس أمام المتجادلين سوى ما يعلن من خطط وموازنات ومشاريع وإنجازات مبعثرة هنا وهناك لا تنظمها خطة شاملة ذات رؤية واتجاه محدد وواضح ومعلن يبين مدى تمحور هذه المشاريع حول هذه الرؤية المرتبطة بالتحول من الاقتصاد الريعي نحو اقتصاد السوق المستدام الذي يعتمد بشكل رئيسي على إنتاج العقول لا الحقول، وليس أمامهم سوى تجاربهم ومعارفهم وانطباعاتهم الشخصية وبعض البيانات والمعلومات التي لا تمكنهم من رسم صورة واضحة كاملة مترابطة الأطراف ليبنوا حكما صحيحا لفاعلية وكفاءة الموازنات السخية التي ترصدها الدولة للتنمية المستدامة والشاملة والمتوازنة.


ما من شك أن المتجادلين قلقين على مستقبل بلادهم ومجتمعهم وأبنائهم وأحفادهم في عالم متنافس على الموارد والتقدم بما في ذلك الموارد البشرية في أي مكان كانت خصوصا الموارد الابتكارية الإبداعية المميزة التي تشكل أصولا اقتصادية كبيرة متى ما وضعت في بيئة اقتصادية صحية محفزة وفي أسواق اقتصادية متكاملة الدورة بين المنتج والمستهلك والوسطاء، وما من شك أن تطمين المتجادلين سيساهم بشكل كبير في تحقيق الاستقرار والأمن الذي ننشده جميعا والذي يعتبر عنصرا مهما في تحفيز التنمية، وبالتالي علينا أن نوجد لهم ما يطمئنهم ويهدئ نفوسهم ويحفزهم للعمل والإنتاج والإبداع، ودون أدنى شك لا يمكن أن نحقق ذلك ما لم نوفر لهم مرجعيات علمية دقيقة تتحدث تلقائيا وتبين لهم الاتجاه والمشاريع المتمحورة حوله ومدى التقدم في هذا الاتجاه مقارنة بالدول المجاورة والبعيدة.


لا نريد أن نخترع العجلة من جديد، فالعالم المتقدم سبقنا في توفير تلك المرجعيات التي تبين لأفراد مجتمعاتهم بكافة فئاتهم واهتماماتهم المعلومات الدقيقة والحديثة عن واقع التنمية الصحية والتعليمية والإسكانية وواقع البنى التحتية مقارنة بالمعايير الدولية ومقارنة بالأمم الأخرى فيما يسمى مؤشرات الأداء المفتاحية KPI”s أو غيرها من المؤشرات مثل مؤشرات المقارنة المحلية والدولية في مجالات معينة مثل واقع التعليم أو القضاء أو المنافسة وهذه المؤشرات عادة ما تكون مؤشرات رئيسة تتفرع منها عدة مؤشرات ثانوية ذات أوزان نوعية مختلفة حسب أهمية متغيرها مقارنة بالمتغيرات الأخرى، وحيث يتكون كل مؤشر ثانوي من مجموعة من المتغيرات الحاسمة في المحور الذي يعنى به المؤشر الرئيس.


أعلم أن بعض المسؤولين لا يريد استخدام مؤشرات الأداء لأنه يعرف أنها كاشفة مُحفزة مُقيِمة وهو لا يحب بأي صورة من الصور كلمة ”كاشفة” وكلمة ”مُقيمة” بل يحب كلمة ”غامضة ”، فالغموض من وجهة نظره البيئة الأفضل للعمل والأداء بعيدا عن الضغط من المسؤولين الذين يعلونه ومن الرأي العام، هذا إذا كانت نيته صافية، أما إذا كان يريد فسادا ماليا وإداريا فكلمة ”غامضة” توفر له البيئة الأمثل للفساد، وعلى أية حال يجب أن يعرف المسؤولون المخلصون منهم وغير ذلك أن وسائل الاتصال الحديثة جعلت من كلمة ”غامضة” مسألة غاية في الصعوبة، حيث جعلت كل شيء مكشوف وبالألوان الواضحة الأمر الذي يزيد من درجة الغضب والحنق تدريجيا على هؤلاء المسؤولين والمؤسسات التي يقودونها خصوصا أن المواطنين يعانون من ضعف إنجازات هذه المؤسسات.


حالة الغموض المقرونة بضعف الخدمات وتذمر المواطنين من سوء التنمية وانعكاساتها على حياتهم بشكل مباشر، حيث المعاناة من المشكلة الإسكانية وضعف الخدمات الصحية والتعليمية وخدمات الماء والكهرباء والطرق المهترئة في المدن رغم الإنفاق الهائل أو الإعلان عن موازنات هائلة كما يظن البعض دون إنفاق ينذر بما لا تحمد عقباه شئنا أم أبينا، ولا ينكر الواقع إلا من هو مفصول عنه أو متكبر يراهن على الزمن لحل المشاكل وكلنا يعرف أن الزمن يفاقمها ما لم نتدخل بحلول عاجلة وناجعة لحلها في الوقت المناسب قبل أن تتفاقم لتصبح عصية على الحلول أو عالية التكلفة.


إذن وفي سبيل رفع الفاعلية والكفاءة والوصول لإنجازات مرضية للمواطنين، ولكي لا نترك للشائعات والكذب والافتراءات مجالا للانتشار والتأثير السلبي في المجتمع علينا أن نعتمد وبأسرع وقت ودون تردد المؤشرات المرجعية مثل مؤشرات الأداء التي تمثل الأداة التي يحكم في ضوئها على نجاح وفشل المؤسسة الحكومية في الوصول إلى أهدافها بالجودة المعلنة والمنشودة أو المعيارية لأن الساسة وصناع ومتخذي القرار في الدولة والنخب بجميع أنواعها والمواطنين يحتاجون إلى معرفة مدى قدرة المؤسسات الحكومية على الوفاء بأهدافها المعلنة والمتفق عليها في أزمنة محددة.


ختاما أود أن أؤكد أن جودة إنجاز مؤسساتنا الحكومية خصوصا تلك المعنية بالخدمات الأساسية وخدمات البنى التحتية على المحك في ظل الموازنات الهائلة وفي ظل ”لا عذر” التي أطلقها خادم الحرمين ـــ حفظه الله ـــ أواخر عام 2005، ودون خطط معلنة ومؤشرات أداء تكشف وتراقب وتقيّم وتحفز سيكون الهدر في الموازنات عاليا والإنجازات منخفضة الجودة، مفتوحة المدة، محل جدل عقيم، والمواطن في حالة من عدم الرضا لا ترضي أحدا.
*نقلا عن صحيفة الاقتصادية السعودية.