التقييم نشاط رقابي على أداء الأعمال وهو ليس نتاج فكر إداري حديث، برغم تنظيره، حيث إن له تأصيلاً في ديننا الحنيف نسترشد به من سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم في عنايته بتقييم صحابته: (ارحم أمتي بأمتي أبوبكر، وأقواهم في دين الله عمر، وأقضاهم علي، وأفرضهم زيد بن ثابت).

وتقييم الأداء الوظيفي عملية تسعى الإدارة من خلالها إلى تحديد نوعية العناصر البشرية لديها وشكل أدائهم، وهو وسيلة فعالة للحصول على حقائق وبيانات من شأنها أن تساعد على تحليل وفهم أداء الموظفين في ممارسة مهامهم الوظيفية المناطة بهم، وإعطاء تقدير لمستوى هذا الأداء ومن ثم العمل على تنميته وتطويره. إلا أن هذه العملية في أغلب الأحيان تصاب بالقصور ويعتريها الفشل في حصد النتائج المرجوة منها بسبب عدم إدراك القائمين عليها في فهم طبيعة وأبعاد هذه العملية عند التطبيق مما يفرز عدة إشكاليات لهذا التقييم.

وتظهر الإشكالية الأولى في غياب الهدف الحقيقي من عملية التقييم وذلك عندما ينصب هدف التقييم على ان يكون مجرد إجراء روتيني دوري يحفظ في الملفات دون أن يكون له أثر، أو يكون الهدف إعطاء الأفراد في المنظمة للعلاوة الدورية كحق مكتسب لهم، والحقيقة أن التقييم عند هذا الهدف يصاب بالقصور ويعتريه الفشل في حصد النتائج المرجوة.

وللخروج من هذه الإشكالية (إشكالية الهدف) يجب أن يكون الهدف هو الوقوف على المستوى الحقيقي لأداء الموظفين وتحديد نوعياتهم وإعطائهم قيمة وتقديرا لمستوياتهم، واكتشاف نقاط الضعف والقوة في أدائهم، هدف أوحد بحد ذاته للتقييم، بغض النظر عن تطبيق مبدأ العلاوة الدورية المبني على نتائج هذا التقييم. وتكمن الإشكالية الثانية في غياب موضوعية التقييم، وذلك عندما ينصرف التقييم إلى مجموعة من المعايير التي تمثل سلوكيات الموظف الشخصية أو حتى الوظيفية التي تعتمد نتائج تقدير قيمة هذه المعايير على إسقاط الرأي الشخصي للقائم بالعملية دون وجود معيار موضوعي لهذا التقدير بل ودون وجود مقياس واضح يبنى عليه تقدير التقييم، هذا من جهة ومن جهة أخرى يركز مثل هذا النوع من التقييم على معايير تمثل شخصية الموظف بدرجة كبيرة أكثر من تركيزها على الأداء الوظيفي ليصبح بمثابة تقييم شخصي للموظف وليس تقييم أداء وظيفي، فيفقد التقدير المصداقية والواقعية والدلالة الحقيقية على مستوى الأداء الفعلي للموظف. وللخروج من هذه الإشكالية (إشكالية غياب الموضوعية) يلزم استخدام مجموعة من المعايير التي تمثل الأداء الوظيفي الفعلي للوظيفة التي يشغلها الموظف بدرجة كبيرة دون إهمال المعايير الشخصية للموظف، معتمدين في تقييمنا للأداء الوظيفي على الوصف الوظيفي للوظيفة وعلى قدرة القائم على العملية في تحويل كل مهمة وظيفية يتضمنها الوصف إلى معيار أدائي يمكن قياسه بشكل كمي أي تحويل سلوك الأداء الوظيفي إلى أهداف وظيفية قابلة للقياس، مع التأكيد على أن يكون نصيب توزيع الدرجات على الأهداف الوظيفية الحظ الأوفر من إجمالي قيمة التقدير تصل إلى 90% بحيث يترك الباقي لتقييم المعايير الشخصية وفي ذلك دلالة على أن نماذج التقييم تختلف من وظيفة إلى أخرى مع وجود بعض المعايير الشخصية التي تمثل العامل المشترك لجميع النماذج.

وتمثل الإشكالية الثالثة غياب بعض الشروط الأساسية لضمان سلامة التقييم وتتمثل هذه الشروط في التالي:

1- أن ينصب تقييم الأداء على أنماط السلوك ذات الصلة بالعمل وليس على أنماط الشخصية، وهذا ما تناولناه في السابق. 2- إيمان الإدارة العليا في المنظمة وقناعتها بأهمية تقييم الأداء الوظيفي وانه يمثل الوسيلة الفاعلة والمناسبة للوقوف على مستوى الأداء الوظيفي، فوجود قناعات سلبية لدى الإدارة العليا بعدم أهمية التقييم وأنه عملية شكلية بالنسبة لها يسقط الهدف الأساسي من التقييم فتسقط العملية برمتها.

3- أن يكون القائم على عملية التقييم لديه العلم والدراية التامة بأعباء ومسؤوليات وواجبات الوظيفة المراد تقييم شاغلها، حتى يمكن له من تحويل المهام الوظيفية إلى أهداف وظيفية يمكن قياسها بكفاءة تتناسب وكفاءته في معرفة طبيعة الوظيفة.

4- ان تتم مناقشة الموظفين بعد التقييم واطلاعهم على نتائج التقييم، وتحديد نقاط القوة والضعف في أدائهم الوظيفي بشكل واضح، ومعرفة آرائهم حيال ذلك.

وتمثل الإشكالية الرابعة إحدى القضايا المهمة في حياة العنصر البشري المرتبطة بعدم الاستفادة من مخرجات التقييم، فمفهوم التقييم يقوم على تحليل وفهم أداء السلوك الوظيفي وتحديد نقاط القوة والضعف فيه، وعندما تقف عملية التقييم عند هذا الحد يكون التقييم فاقداً لمضمونه إذ لا معنى لإيجاد قيمة وتقدير لمستوى الأداء دون اتخاذ خطوات إيجابية مخططة في شكل تحديد احتياجات تدريبية تحاكي نقاط القوة وتعززها وتتفادى نقاط الضعف وتحد من آثارها وتعمل على تحويلها إلى نقاط قمة، فمخرجات التقييم الصحيح والاستفادة من نتائجه تعكسها صورة صادقة لتلك الإدارة التي تحترم مواردها البشرية وتؤمن بدورها الحقيقي تجاههم. وغني عن القول ان الحد من تعاظم الاشكاليات، وتلافي آثارها السلبية، هو دور ضروري للإدارة لما له من مردود ايجابي يحقق قيمة اضافية في حياة تقدم منظمات الأعمال، وهذه هي غايتنا المنشودة،