تشترك كلمتي العرب والغرب في الحروف، ولا يفرقهما إلا نقطة، لكن في الحياة الفارق أوسع وأكبر بكثير من مجرد نقطة، ففي الوقت الذي فرقتنا فيه النقطة في اللغة إلا أنها صنعت فارقا كبيرا في الفكر والحياة، وكان نتاج هذه الفوارق ان تباعدت المسافات وزادت، بل وتزيد كل يوم الفوارق بين عالم الغرب الملئ بالحركة والحرية والنظام والعلم والحيوية، وبين عالم العرب الملئ بالاضطهاد والطوارئ والعشوائية والتلوث والكسل والتفاهات.
فوارق كثيرة تخطت النقطة لتمثل نقاطا وحروفا وكلمات تملئ مجلدات .. اتسعت الهوة بين عالمينا فأصبح الأدب انجليزيا والموضة فرنسية والتكنولوجيا يابانية والأسلحة أمريكية والنظام ألمانيا والرؤية غربية، وسُحب البساط من تحت أقدام العرب بعد ان حملوا لواء الحضارة والمدنية والتقدم قرونا طويلة. إن اجدادنا العرب الذين بنوا حضارة الانسانية ووضعوا اللبنة الأولى لمعاني الانسانية وكان لهم اكبر الاسهام في تأسيس كثير من العلوم الحاضرة لو قاموا من نومتهم ورأونا على هذا الحال لماتوا بالسكتة من جديد، بل سيتمنون لو أنهم لم ينجبوا هذه الأجيال التي دمرت سمعتهم، ومسحت تاريخهم، وضيعت سمعتهم، ليروا جيلا نشأ على التبعية والاعتماد على الأخر وقتل الابداع وكبت الحريات وحب السيطرة وانتصار البلطجة وموت العلم.
هل يمكن تصور مجتمع يمكن ان ينهض او يكون له شأنا لازال فيه الشباب بلا أي دور في الحياة أكثر من تشجيع الكرة وشرب الشيشة على القهوة والبحث عن أفضل الشواطئ للتصييف .. شباب يخرج من الجامعة غير كفء للعمل لا في تخصصه ولا حتى في اي تخصص اخر، فخسر العلم والحرفة، واصبح عالة على المجتمع، ولازال حتى الآن أشباه المثقفين على نفس النغمة القديمة فيلقون باللوم على الحكومات والأنظمة وينسون أو يتناسون دور الشاب في تنمية نفسه والعمل عليها، ثم أين طموحه واين رغباته واين هي خططه وأهدافه والتي وقفت الحكومات او الأنظمة عائقا أمامها، اذا كانت الحكومات مستبدة ومهملة بطبعها، فالشاب هو الذي أتاح لها تلك المساحة من الاستبداد والإهمال، فإنه دخل الجامعة لا ليتعلم ولكن لأن العرف يقتضي هذا، وتزوج لا لأنه يحب ولكن لأن العرف يقتضي هذا، وأنجب لا لأنه يريد ان يخلق جيلا يساعد في بناء الأمة ولكن لأن العرف يقتضي هذا، ويعمل لا ليحقق طموحه ولكن لأن العرف يقتضي ان ينفق على أسرته الجديدة، ويقرأ الجريدة لا ليأخذ موقفا أو ليكون متابعا، ولكن لأن الفراغ يقتضي هذا، ويجامل ويهنئ ويرسل الهدايا لا لأن الله أمره بهذا ولكن لأن مصلحته أمرته بهذا.
شابا عاش من أجل العرف والمصلحة، هل يمكن ان يبدع أو أن يتميز فيتطور ويأخذ بيد مجتمعه للتطور، ان المجتمعات ما هي الى مجموعة من الطاقات المبعثرة هنا وهناك وعندما تتوحد هذه الطاقات تحت أهدافا سامية وحينما يوجد الطموح والرغبة .. يتحقق التقدم والتطور ويصير المسئول عالما ان هناك من سيسأله، أما ما يحدث في مجتمعاتنا هو مجموعة من الشباب الذي لا يجتمع إلا على تفاهات الأمور ككرة القدم والأهلي والزمالك، لكن ان يجتمع حول العلم او الأدب او الثقافة وكلها أمور متصلة في حلقة واحدة، فلا يحدث للأسف.
لا أتصور ان هناك من يلوم الأنظمة على ما آلت اليه من تدهور وعشوائية ومركزية ولا يلوم من ساعدهم على هذا، أنا لا أريد ان أكون متشائما ولكني أرى القادم أسوأ مما مضى، فالأجيال الجديدة لازال طموحها ان تسلم على تامر حسني أو تتبادل اغنية لهيفاء، أو ان تتجادل في مشروعية سماع الأغاني، ولا أرى حلا لكل هذه المآسي إلا ان يشغل الشاب نفسه بالعمل وبالعلم فبهما لن يصبح عنده وقت لسماع تلك الأغاني أصلا، وحينها لن يجادل حول مشروعيتها، وبانشغاله بالعلم والعمل عن تلك التفاهات والترهات سيترفع عن الفتاوى الفكاهية التي يتم تداولها هذه الأيام، بما سيجعل المسئول مسئولا فلا يهمل في تلك المسئولية وسيحاول ان يؤديها كما ينبغي حتى لا يسئل عنها من شباب مجتهد واعي يعلم حقوقه ويعلم واجباته، شبابا أصبح لهم الحق في التعبير عن وجهة نظرهم وعن أفكارهم لأن لهم رصيدا من الاحترام ورصيدا من الانجاز في مجتمعاتهم بما يسمح لهم بالسؤال والمسائلة.
وأخيرا انصح القوم جميعا، قبل ان تسأل عن رأس الهرم إسأل عن قاعدته، فقاعدة الهرم هي التي تحمل الرأس وليس العكس، واذا كانت القاعدة الجماهيرية وأكثر فئة مؤثرة فيها وهي الشباب، قاعدة صامتة مستسلمة منقادة، فلا تتعجب ان يميل الرأس ويصبح الرأس رقصا وليس رأسا، يا شباب الأمة أفيقوا من غفلتكم واذا كان لابد من الانقياد والتقليد والاستيراد فلتنقادوا لجيد الأفكار وأفيدها، واذا كان لابد من التقليد فلتقلدوا علمائهم ومفكيريهم ومبدعيهم، واذا كان حتما الاستيراد فاستوردوا جديدهم وابدؤا من حيث انتهوا هم.
هذا نداء أعلم انه سيتوه كما تاهت نداءات من قبلي وكما ستتوه نداءات من بعدي، ولكن علينا العمل والاجتهاد وليس علينا ادراك النجاح.

لمتابعة المقال على الفيس بوك .. اتبع الرابط التالي:
https://www.facebook.com/note.php?no...12576218814670