غريق في بحر الألم
لحظات السعادة في الدنيا قليلة وسريعة، ولكن لحظات الألم طويلة وبطيئة الى درجة خانقة .. لماذا حينما نفرح لا نشعر بالوقت ولا نحس بالزمن وتمر الساعات وكأنها دقائق واحيانا كأنها ثواني، بينما حينما نحزن ونتألم نجد الدقائق تمر وكأنها ايام طويلة تزحف ببطئ مخيف، وكأن جميع الساعات تأبى إلا أن تشارك في رحلة تعذيبنا ولا تريد أن تدعنا إلا غرقي في بحر الألم والعذاب.
صحيح أن نعم الله علينا لا تعد ولا تحصى، ولعل أهم هذه النعم هي نعمة النسيان والتي بها ننسى لحظات الهم والكدر وبها تفلت منا لحظات الألم والعذاب، ولكن ليس كل شيء قابل للنسيان وليست عقولنا أجهزة حاسوب نتلمس فيها طريق أزرار لوحة المفاتيح حتى نكبس على مفتاح الحذف، فنمحو هذا الموضوع او تلك اللحظة من حياتنا، إننا لا ننسى لحظة تعرضنا فيها للإهانة او تعرضنا فيها للتجريح وتظل هذه اللحظة تطاردنا الى أخر العمر، كذلك الألم والعذاب .. رحلة ابدية نعيش فيها ونظل نهرب منها ما حيينا.
واذا كانت الحياة هي مزيج من لحظات السعادة والحزن، ومن لحظات الفرح والألم .. فإن اللحظات التي تترك أثرا كبيرا لا يمحى في أعماق قلوبنا وعقولنا هي بكل تأكيد ليست لحظات السعادة والفرح وإنما هي لحظات الألم والحزن، ذلك أن هذه اللحظات دائما ما تنطبع في مخيلتنا كنقاط سوداء في طريق الحياة المنير، لحظات من الظلام والخوف والرهبة تملئ قلوبنا حتى نستطيع ان نجتازها، واذا ما اجتزناها تظل تعيق الضوء على ان يصل الينا فتخفي بعضا من هذا الضوء الذي نتلمسه طوال الطريق.
لكن دائما ما يظل هناك بصيص الأمل البعيد في الله سبحانه وتعالى أن يرفع هذا الألم من طريقنا، ليصبح هذا الأمل هو الشيء الوحيد والباعث الأكبر لنا كي نكمل الطريق ولا نتوقف لنبكي الأطلال التي مررنا عليها، فبكاءنا ووقوفنا عند هذه الأطلال كان من الممكن ان يكون امرا حتميا نتيجة لاستسلامنا لهذه اللحظات العسيرة، ولكننا نحمد الله على وجوده في حياتنا فهو وحده النور ومن هذا النور نحن ننتظر الأمل والفرج من عنده .. وكم من ضيق تبعه فرج وكم من هم تبعه فرح وسعادة وسرور.
ورحم الله امامنا الشافعي القائل: "ضاقت فلما استحكمت حلقاتها .. فرجت وكنت أظنها لا تفرج"، فما ان تضيق الدنيا على الانسان ويمر بلحظات عصيبة تهون فيها حياته نفسها فإذا ما استحكمت حلقاتها عليه لتزيد الضغط على اوصاله، هنا يظهر نور الله ويتجلى في فرج واسع يملئ على هذا الإنسان كل كيانه ويغمر كل حياته فينقله من هذا الهم والكدر الى السعادة والسرور.
وأخيرا، نعمة السعادة والرضى من أجّل النعم التي أنعم الله بها على بني الإنسان، ولحظات الهم والكدر والحزن هي لحظات الابتلاء على بني البشر وتّحمُل هذه اللحظات الصعبة لا يكون إلا بالصبر والاستعانة بالله حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا وبالأخير أذكر نفسي واياكم بأن كل أمر المؤمن خير اذا اصابته سراء شكر فكان خيرا له، وان اصابته ضراء صبر فكان خيرا له.