أمسكت بدفتر من الورق الأبيض تبدو عليه آثار الاهمال وكأنه موجود منذ فترة دون أن يلمسه أحد .. وتناولت بقايا قلم من الرصاص وجدته ملقى بجوار الحائط، أما هي فكان يبدو عليها آثار الارهاق والملل .. ارادت ان تخرج نفسها من هذا الجو القاتم بأن تعود الى نفسها وأن تمارس هوايتها المفضلة، أن تخرج ما في عقلها من أحلام وخواطر على الورق، أن تعبر عما يعتمل في نفسها من أحلام وأماني ورغبات عبر الخطوط والألوان، لكنها هذه المرة سترسم بلون واحدا، فهكذا هي الحياة منذ فترة وهي تسير لونا واحدا، لا ألوان .. لا بهجة .. لا بسمة .. لا سعادة حقيقية، فما الذي سيجعل لوحتها تختلف، يكفيها ان الألوان تعيش في قلبها ولا تخرج منه الى الدنيا، الى الحياة، الى من حولها من بشر، الجميع عندها سواء ..
بدأت تُخرج ما في جعبتها من احلام وأفكار، هي غابت عن الوعي، سكنت بعدا أخر من الحياة، هي الآن ليست في عالمكم البائد، ليست في أرضكم المريرة، هي تحلق بعيدا، أغمضت عينيها او اوشكت، لأول مرة ترسم بعينين شبه مغلقتين، فما يحرك يدها الآن هو قلبها وليس عقلها، انها ترسم بدون النظر الى اللوحة، هناك طاقة خفية تحرك يدها، وبدأت في رسم قلوب صغيرة مبعثرة على الورقة بعضها صغير وبعضها كبير وبعضها متكسر وبعضها معوج، لا تعرف عددهم ولا تهتم، لكنها تركت فراغا كبير في وسط الورقة رغم ذلك، ولعلها تركت هذا الفراغ لأهم وأكبر قلب سترسمه، لقد ظلت لساعات وهي ترسم هذا القلب، كما وانها لا تريد ان تنتهي من رسمه، أو لعلها كانت تطمع في ان تقضي عمرها وهي ترسمه، لعل هذه اللحظة هي الأولى منذ فترة التي تشعر فيها بنفسها وبروحها تعود اليها من جديد، ولما لا؟، وهي ترسم أغلى ما تتمنى، وأعظم ما تحلم. ظلت ترسم في هذا القلب وتضع التأثيرات والظلال وكل خط وكل نقطة كانت تحمل معنى، وكانت تعني شيئا بالنسبة لها، لكل انحناء ولكل التقاء خط بخط كان يوحي لها بذكرى قديمه عاشتها وعاشها قلبها.
ما أجمل أن نحقق احلامنا، فاذا ما وقف القدر امامها، فالحذر كل الحذر من اليأس والقنوط، إنما الله يريد ان يثبت قيوميته، فهل فوضنا أمرنا لله أم لأنفسنا .. دع الأيام تمضي لكن تأكد انه مع كل يوم جديد، عليك أن تعيش أملا جديدا، واحمد المولى على ان منحك الحلم الذي قد يكون سببا في صبرك على البلاء، واجعل طاقة الاحلام دافعا ومحفزا لتعيش وكلك ثقة ان الاحلام ما خلقت إلا ليحققها الله في وقت معلوم .. فلا تتعجل تحقيقها قبل أوانها، فالثمرة اذا ما تعجلت قطفها ذقت مرارتها، واذا صبرت عليها نلت حلاوتها.

بقلم .. أحمد نبيل فرحات