كيف أستطيع ان اعبر عن مشاعري اليوم، والدموع تتسابق على وجنتي من فرط سعادتي، لا لرحيل طاغية كمبارك أفسد الحياة المصرية على مر السنوات التي حكمنا فيها، ولكن لشعب أظننا كنا قد اتفقنا جميعا على استخراج شهادة وفاته قبل هذه الثورة، سعادتي لا تكمن هنا من الثورة ونتائجها على قدر سعادتي من سقوط كل نظرياتي السابقة عن الشباب المصري، اليوم حان الوقت لسداد الدين، حان الوقت كي أتقدم لكم أيها الشباب العظيم ببالغ أسفي واعتذاري، لقد سخرت منكم ومن سلبيتكم كثيرا، لقد طعنت في وطنيتكم وفي حبكم لهذا البلد، لقد ظلمتكم كثيرا بشعارات جوفاء، فإذا انتم تنهضون وتقومون على قلب رجل واحد، تنسفون كل أفكاري ومعتقداتي السابقة عنكم، لقد نهضتم فأسقطتم كل الأبواق وكتبتم بأياديكم البيضاء سطورا جديدة في كتاب التاريخ.
لقد كنتم فخر هذه الأمة جمعاء، بوعيكم وثقافتكم وروحكم الحضارية، خلقتكم ثورة فشل أبائكم واجدادكم في التفكير مجرد التفكير فيها على مر السنين، لقد غيرتم ما فشل في تحقيقه السياسيون والمثقفون والأدباء والعلماء والأئمة، ورسمتم وجها جديدا للحضارة المصرية أمام العالم أجمع، كما كان المصريين دوما هم عنوان الحضارة منذ فجر التاريخ، فأنتم أيها الشباب العظيم أصبحتم فخر حاضر هذه الأمة ومستقبلها.
الآن فقط حان الوقت لأرفع رأسي وأقولها عالية أنا مصري، الآن دبت روح الوطن في أوصالي، من الآن سأمشي رافعا رأسي عاليا، أمارس حقي التاريخي في الاعتزاز بشموخي وعزتي وكرامتي، وللأسف لم يكن هذا أبدا لشجاعتي ولا لجرأتي ولكن كان هذا نتاجا طبيعيا لثورتكم العظيمة.
أنا أقف الآن تحية إجلال وتقدير لكم أيها الشباب، إن ما فعلتموه في أياما معدودة لا تستطيع شعوب بأسرها أن تقوم به في سنوات طوال، إن الكلمات تنفذ مني وانفعالاتي تمنعني من الاسترسال كي اوفيكم حقكم، ولكن عزائي الوحيد ان الله لن يضيع تضحياتكم هباءً، وان الشعب سيظل يدين لكم بفضل حريته ما بقيت هذه البلاد.
وأخيرا، أوجه كلمتي للسياسيين والمثقفين والأدباء والعلماء المصريين .. اصمتوا، فقد تكلم الشباب، لقد ظهرت حقيقتكم الجوفاء، لقد لقنكم الشباب المصري العظيم درسا تاريخيا، فعلمكم كيف يكون الكبرياء، ومن أين تأتي الكرامة، وما هو مفتاح الحرية، عفوا أيها السادة فلم نسمع منكم طوال هذه السنوات العجاف سوى الشعارات الزائفة والكلمات الخرقاء التي لم تساعد الوطن للتحرك خطوة واحدة، فإذا بالشباب لا يتكلمون وإنما يفعلون وينظمون ويثورون، وانتم لا يسعكم إلا الكلام والهتاف .. اتركونا بهتافاتكم وشعاراتكم فقد شبعنا منها، الآن فقط تكشفت الحقائق، وعرفنا ان ما كنتم تؤكدون لنا استحالته، ثبت انه بالاخلاص والارادة والعمل الحقيقي يمكن تحويل الحلم الى الحقيقة، وتحقيق الخيال على أرض الواقع.
هنيئا لمصر شبابها الأبطال .. وتحية لشهداء الثورة الأبرار وندعو الله أن يتقبلهم شهداء في الجنة .. انه ولي ذلك والقادر عليه.
بقلم أحمد نبيل فرحات